NevigatorBar

الأربعاء، 8 فبراير 2012

النوم: الأصل والغرض

ما هو النوم؟ ولماذا ننام؟ :*



     الطيور والأسماك والزواحف وبقية الثدييات تشترك معنا في شيء واحد على الأقل: انها تنام مثلنا. النوم هو الجزء  المحوري والمهم في  حياتنا بلا جدال.
 بالرغم من ان النوم جلب انتباه الفلاسفة والكتاب والعلماء على مدى قرون فقد استغرق الأمر الى بدايات خمسينيات القرن الماضي لكي يصبح البحث العلمي حول النوم جدياً، ومنذ ذلك الحين كشف علم النوم الكثير من تركيبته وأنساقه، غير أن اصل النوم وفعالياته ظلت غامضة بشكل كبير.
      ما هو النوم؟ لكي يكون الكلام دقيقا فإن كلمة "النوم" تستخدم مع الحيوانات التي تمتلك اجهزة عصبية معقدة، إلا أنه من الممكن تمييز حالات شبيه بالنوم في اللافقريات، وذلك ما يساعدنا على إعطاء تعريف أوسع للنوم بحيث يشمل دورات الراحة والنشاط ، الوضع الذي يتخذه الكائن، الإفتقار الى الإستجابة، والراحة التعويضية للحرمان من النوم.
 الحشرات مثلاً لها حالة شبيهة بالنوم كما تفعل العقارب وبعض القشريات، وحتى الأحياء المجهرية تمر بحالات من النشاط واللانشاط بتأثير "ساعات" بايولوجية داخلية في أجسامها تدعى الساعات الدورية. هكذا فإن أصل النوم يعود الى فجر الحياة قبل ٤ مليارات سنة. يعتبر بعض الباحثين ان النوم استمرارية لحالة اللانشاط التي عرفت خلال مملكة الحيوان، وعندما نفهم بالضبط مفاهيم استفادة الكائن الحي من حالات اللانشاط فسوف يكون بمقدورنا ان نجد جواباً له معنى للسؤال المتعلق بنوم الكائنات البسيطة.
 أسباب الراحة  والنوم :  

     هناك العديد من التفسيرات للنوم، تتراوح بين انقاذنا من الأذى، مروراً بحفظ وتوفير الطاقة، ترتيب العواطف، معالجة المعلومات وتمتين الذاكرة، وكل من هذه التفسيرات لها جوانب قوية تدعمها وأخرى ضعيفة تفقدها الحصافة. واذا كان الأمر كذلك فإنه من الأجدر دراسة تأثير النوم على مختلف مستويات النظام البايولوجي بدلا من البحث عن دالة كونية منفردة له. على الصعيد العام للكائن الحي فإن الفعالية الأولية للنوم ربما تكون تنظيم نشاط عصبي مستقل مثل معدلات القلب، حيث يلاحظ ان اعتلال نظام عصبي مستقل ، مثل اختلال عدد ضربات القلب مرتبط باضطرابات النوم.
     على مستوى الدماغ فإن النوم يدعم تمتين الذاكرة بتقليص كمية المعلومات التي تمر عبر النظام العصبي المركزي، وعلى كل حال فإن تمتين الذاكرة بهذا الوصف قد يحدث اثناء الإستيقاظ أيضاً.  
     على مستوى الخلية العصبية يبدل النوم معدلات الاحتراق ويغير التوزيع الموقت له وتزامنه عبر شبكة الخلايا، والذي بدوره يؤثر في الاتصال فيما بينها. عملية تنظيم الإتصال بين الخلايا العصبية تدعى " التشابك المتوازن-Synaptic Homeostasis" ، هذا التوازن هو المسؤول عن منع تحميل النظام العصبي فوق طاقته و إصابته بالإختناق الوظيفي، مؤخراً دعمت الدراسات الحديثة هذا التفسير عند ذباب الفاكهة.
     على مستوى المجتمع يحقق النوم نوعا من  العزل الإجتماعي، إلا أن هذا التفسير للنوم لا يحظى  بأي اهتمام، ربما - من جانب كوننا كائنات اجتماعية - نكون بحاجة الى النوم لتدعيم قيم وبواطن حيواتنا الإجتماعية.

 نصف مستيقظ :

     النوم يشبه حالة تشغيل وإطفاء جهاز كهربائي، لكن الأدمغة ممكن ان تكون نائمة ومستيقضة في نفس الوقت، هذه الظاهرة معروفة لدى الدلافين والفقمات والحيوانات التي تنام بأوضاع نصف دائرية: فقد لوحظ ان نصف دماغها نائم بينما النصف الآخر يعطي خواص النشاط الكهربائي لليقظة.  
     في العام الماضي أظهرت دراسة على فئران خضعت لإستيقاظ طويل ان بعض خلاياها العصبية تنطفئ  وتظهر حالة شبيهة بالنوم، لكنها في الواقع تمر بفترات من الإنتباه.
     أبحاث النوم تسعى الى التحقق فيما اذا كانت ظاهرة النوم لدى الإنسان وبقية الكائنات "عالمية" من حيث دور الدماغ وفعالياته مشتركة ومتشابهة او ان عملية النوم يمكن - الى حد ما - تنظيمها محليا حسب الموقع في الدماغ. والحق ان هناك أدلة متصلة على الوصف الثاني، وعلى سبيل المثال: لوحظ ان المناطق الأكثر نشاطا في الدماغ خلال اليقظة تذهب في حالة نوم أعمق وأطول. 
     المنظار الموقعي للنوم في الدماغ قد يقود الى فهم  الحالات التي تتداخل اليقظة فيها مع  النوم، مثل الكلام اثناء النوم او السير نائما او نوبات الأرق التي يقول عنها الناس انهم كانوا مستيقظين طوال الليل رغم ان موجات الدماغ الصادرة من جزء معين تشير الى انهم قد ناموا.
كذلك يعتبر المنظار الموقعي للنوم في الدماغ واعدا لتفسير كيف يدخل النوم عنوة الى اليقظة كما في حالة فترات الإنتباه خلال حرمان طويل من النوم، نوبات النوم الدقيقة هذه قد تشكل خطرا كبيرا اثناء القيادة حيث تم تطوير وسائل لإختبار هذه الحالة؛ مثلا من خلال رصد حركة السيارة قياسا الى الخطوط البيضاء على الطريق او تحليل حركات العيون التي تعكس علامات التنويم.

دورات الغفوة :

     تحدث تغييرات مركبة في الدماغ أثناء النوم يمكن ملاحظتها بواسطة الرسم الكهربائي الذي يساعد على قياس النشاط الكهربائي للدماغ والموجات الدماغية المصاحبة له. بعد الإضطجاع لمدة عشرة دقائق او ما شابه في يقظة انتظارا للنوم ، يلاحظ أننا ندخل في ما يسمى نوم  حركة العين غير السريعة  ويمر بثلاث مراحل اعتمادا على النسق الذي يظهره  الرسم الكهربائي للدماغ، كل مرحلة تعتبر أعمق من التي قبلها. بعد التنقل خلال هذه المراحل ندخل في نوم حركة العين السريعة. يبدو هذا النوم شبيها باليقظة او النعاس من خلال الرسم الكهربائي. وهذه هي المرحلة التي تحدث فيه العديد من أحلامنا وتستغرق كل مرحلة من مراحل نوم حركة العين السريعة التي تحدث ٥ او ٦ مرات خلال الليل حوال ١,٥ ساعة.
     بالاضافة الى التغييرات التي تحدث في نشاط الدماغ فإن النوم يتميز أيضاً بتراجع دقات القلب حوالي ١٠ دقات كل دقيقة وانخفاض في حرارة الجسم من ١ ال ١,٥ درجة مئوية، بالطبع يشهد النوم كذلك تراجعا في الحركة والإحساس.

النوم: كم نحتاج؟ وما الذي يجعلنا مستيقضين؟:

     الدراسات الحديث جلبت لنا عدة استبصارات للوقوف على  احتياجات النوم لدينا - الكمية التي نحتاجها، متى يجب ان ننام ؟ وأين وكيف يجب ان نفعل؟- غير ان اساس الموضوع هو اختلاف نوعية النوم من شخص الى آخر ، وتغير هذه النوعية مع العمر. 
     ما هي كمية النوم التي نحتاجها؟ ينام الطفل حديث الولادة ما يصل الى ١٨ ساعة في اليوم، بينما يدير موظف تنفيذي شؤونه لينام ٥ ساعات. دعنا الآن نرى؛ ما هو القدر الصحي من النوم؟ وكم نحتاج؟ والجواب المختزل على السؤالين هو انه لا جواب، فحاجتك تعتمد على عمرك وجنسك وتتغير من فرد الى آخر. الحيوانات صغيرة العمر تنام بصورة عامة اكثر من الحيوانات البالغة والإنسان ليس استثناءا لهذه القاعدة.
     تركيبة النوم وشدته متباينة أيضاً، عند الصغار هناك هيمنة لنوم حركة العين السريعة غير ان نوم حركة العين غير السريعة يكون أعمق، ومن المحتمل ان يحدث ذلك لمساعدة نضوج الدماغ، حيث يساهم كل من النوم العميق ونوم حركة العين السريعة لزيادة مرونة الشبكة العصبية وهذا يساعد على اكتساب مهارات جديدة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة ان الاطفال ينامون اكثر خلال طفرات النمو.
      في عمر المراهقة يصبح النوم ضحلا ويتجه الى الساعات الأخيرة ليعكس عملية أعادة تنشيط الدماغ. الفص الأمامي المسؤول عن الفعاليات التنفيذية كالتخطيط ومنع السلوك غير الملائم يظهر سقوطا ملحوظاً في كثافة الوصلة العصبية كنتيجة للتشذيب العصبي في هذا العمر.
      المراهقون ليسوا مجرد كسالى عندما يراد لهم ان يقوموا من الفراش فحسب ولكن النشاط البايولوجي للمراهق يفضل الذهاب الى تعيير وضبط ساعات الدوام الدراسي والتقليل منها قدر الإمكان، هناك أدلة واضحة ان الشباب لا يحصلون على قسط كاف من النوم، وعندما يعيشون على جدول الثمان ساعات فإنهم يبقون وكأنهم نعاسى.
     الصورة تبدو اشد لدى كبار السن اذا عاشوا على نفس الجدول، عندما يجبر الشباب البالغ الى المكوث في الفراش تحت الظلام لمدة ١٦ ساعة فإنهم ينامون لما يصل الى ١٢ ساعة، وبعد بضعة أيام ينحدر مستوى النوم الى ٩ ساعات وكأن عليه دين من النوم لأجسادهم يدفعونه بذلك.  كلما تقدمنا في العمر نمنا أقل واستغرقنا وقتا اقصر في النوم العميق ونوم حركة العين السريعة، في نفس الوقت فإن تعلم مهارات جديدة يصبح أكثر صعوبة.
     السؤال الساحر هو: هل يمكن إيقاف التراجع في الإبداع الذهني اذا استطعنا ان نمنع التغيرات التي تحدث في نوعية النوم المتعلقة بالعمر؟. بالمقابل عندما يجبر متطوعون كبار في السن للبقاء في الفراش تحت الظلام فإنهم يميلون الى النوم لمدة ٧,٥ ساعة. الدراسات تشير الى ان الذين يعمرون اكثر ينامون بين ٦-٧,٥ ساعة.
     تنعكس الاختلافات في الجنس على النوم والإيقاعات اليومية له. تمت ملاحظة ذلك في القطط والقوارض وذباب الفاكهة وأخيرا في الانسان. النساء يتمتعن بكمية اكبر من النوم العميق وينمن لمدة أطول، اختلافات الجنس موجودة كذلك في "الساعة البيولوجية  اليومية" حيث يلاحظ ان الفترة الدورية للساعة البيولوجية اقل ٦ دقائق في النساء مقارنة في الرجال وربما كان هذا هو السبب في خلود النساء الى النوم بوقت أبكر، ويستيقظن بوقت أبكر ويمكن لهن ان يعتبرن انفسهن النوع الصباحي من الانسان اكثر من الرجال.

ما الذي يسيطر على النوم؟:

      يتزامن جسم الانسان والعديد من فعالياته في دورة من ٢٤ ساعة خلال عدد هائل من الساعات البيولوجية، على سبيل المثال فإن نشاط الدماغ عندما نكون مستيقظين يعتمد بشكل كبير على وقت النهار. نظام الزمن اليومي يتألف من درزينة من الجينات، افرازات بروتين هذه الجينات يعمل بترابط متبادل في حلقات متكاملة مستمرة لكي تسيطر بدقة على ما تنتجه في دورة ٢٤ ساعة. 
     بالرغم ان الساعة البيولوجية المركزية موجودة في الدماغ وتتحكم بشكل كبير في النوم والاستيقاظ فهناك عوامل اخرى لها دور في الحالتين. العامل الذي يمثل مفتاحا هو الضوء. كلنا يعلم انه من الصعب الخلود الى النوم في غرفة تلمع بالضوء، وذلك لأن الضوء يحفز الخلايا التخصصية في الشبكية وهي الخلايا العقدية المتحسسة جوهريا للضوء والتي تعمل مع تزامن الساعة البيولوجية في دورة الليل والنهار وتحفز مناطق اخرى في الدماغ بضمنها منطقة التنبيه. ضوء الغرفة الاعتيادي او  الضوء الصادر من شاشة كومبيوتر كذلك يؤثر في الساعة البيولوجية ويكبح إفراز هورمون الميلاتونين المحفز للنوم. 
     وجدت دراسة حديثة في مركز سيري لأبحاث النوم/ غيلدفورد/ بريطانيا ان تقليل شدة ضوء المساء و/أو استخدام ضوء منخفض الزرقة وعال الصفرة يقلل من التأثير المعرقل للنوم. هذه الحقيقة تشير الى امكانية تحسين النوم بتوفير ضوء مسائي انسب والانتباه الى التأثيرات المعرقلة للضوء الاصطناعي.    على كل حال من الصعب البقاء مستيقظا حتى في ضوء الشمس الساطع بعد جهد مستمر ولفترة طويلة جداً، هذا النوم الإجباري يفرضه ضابط عصبي يدعى أدينوسين.
      الطريف ان الكافايين وهو المنشط الاكثر انتشارا يسد الطريق على مستقبلات الأدينوسين في الدماغ.

 نهار سيء؛ ليل جيد :

     ننام بشكل افضل ايام العطل، والشكر هنا موصول لغياب المنبهات وضغوطات العمل، وقد أثبتت المختبرات حقيقة ان القلق يعني نوما ضحلا واستيقاظا اكثر، ونعرف كذلك ان العمر له أثر عميق على نوعية النوم، كبار السن يتعرضون لعوامل تشويش النوم الناتجة من ضغط الحياة والكافيين  والكحول. هؤلاء الناس يشوشون النصف الثاني من الليل بحدة عندما يتناولون بعض المشروبات مساءا، بدون مفاجأة: افضل وقت للنوم هو الليل.
     اذا حاولنا النوم خلال النهار دون تزحيف ساعتنا البايولوجية فإننا سوف نميل الى ان نغفو من ١ الى ٣ ساعات اقل من الليل. نوم النهار يختلف كذلك في نوعيته. خلال الليل يزداد نوم حركة العين السريعة مع تقدم النوم بينما يتراجع اثناء النهار، كذلك تزداد محاور النوم وموجات الدماغ خلال الليل بالاضافة الى هيمنة نوم حركة العين غير السريعة الذي يساعد على تمتين الذاكرة. يمكن ملاحظة اختلافات اخرى بين نوم النهار والليل في بقية أنحاء الجسم. النوم خلال الليل يشهد انخفاض درجة حرارة الجسم وتركيز اكبر  لهورمون النوم؛ الميلاتونين. والعكس يحدث خلال نوم النهار، طبعا هذه التغييرات مؤذية للصحة. 
     العاملون في المناوبة الليلية يعانون من معرقلات النوم خلال النهار ويتعرضون لمخاطر الإصابة بأمراض الأوعية القلبية والسكر.

 الطريقة التي ننام بها حاليا :

      لقد غيرت المصابيح الضوئية والتلفزيون والكومبيوترات والمناوبة الليلية عادات النوم. هذا الامر له تأثيرات كبيرة على الصحة والحرمان من النوم. المجتمع نفسه تغيير بشكل كبير خلال القرن الماضي ولم يكن التغيير في الطريقة التي ننام بها قليلا. المصابيح الضوئية والتلفزيون والكومبيوترات والمناوبة الليلية غيرت العادات التقليدية للنوم. هذا الامر كانت له نتائج هائلة ليس على مسألة الحرمان من النوم فقط ولكن على الصحة أيضاً، وربما ساعدتنا الاكتشافات الحديثة حول النوم والأرق لمواجهة تغييرات المستقبل.   

مجتمع بلا نوم:

     هناك قول مألوف مفاده: أننا ننام اقل من الجهد والإهتمام الذي نبذله من أجل النوم، قبل نصف قرن كان الناس ينامون اكثر من ٨ ساعات في الليل بينما نحن ننام ٧ ساعات كمعدل.
      الدلائل على ذلك ليس في صالحنا ليست مقنعة لأن العلماء قبل ٥٠ عاماً لم يكن يستهويهم كم ينام الناس؟، على كل حال ليس من شك ان البعض منا محروم من النوم، الا اننا لحسن الحظ نعرف تأثيرات الأرق اكثر من اي وقت مضى. الأرق سيء لك، خمس حوادث الطرق مرتبطة بالوهن الناتج من عدم النوم فضلا ان الحرمان من النوم يؤثر على الصحة بشكل مباشر.
     خلال العقد الاخير ظهرت بعض الدراسات في علم الأوبئة تربط بين الأرق والصحة المعتلة وارتفاع معدلات الوفيات. على سبيل المثال تم العثور على صلة بين قلة النوم وزيادة البدانة والسكري، يمكن تفسير هذا الأمر بالكيفية التي يعرقل فيها حرمان النوم اليات الغذاء ويحفز الجوع.
     أوضحت دراسة على اكثر من عشرة آلاف من خدم البيوت  في بريطانيا على مدى ١٧ سنة، ان الذين يقطعون نومهم لمدة ٧ الى اقل من ٥ ساعات اسرع الى الموت لأي سبب بنسبة ١,٧٨ مرة، وللتوضيح فإن خطر الموت بسبب أمراض الأوعية القلبية يرتفع الى ٢,٢٥ مرة. علينا بهذا الخصوص ان نعرف ان الحرمان من النوم ليس هو الوحيد الذي يؤذي الصحة، النوم لفترات طويلة يؤدي الى زيادة مخاطر الموت مقارنة بأولئك الذين ينامون لمدد مثالية غير ان اسباب الموت في الحالتين غير معروفة.  
     هناك حاجة طارئة وحيوية لفهم اكبر لظاهرة الأرق، خصوصا اذا علمنا انه يتسبب في تراجع الأداء وخسارة ما يقرب من ستين مليار دولار سنويا في امريكا لوحدها. هناك تأثيرات سلبية اخرى لعدم النوم،
     أشارت دراسة حديثة  الى تأثير عدم النوم على جزء من الدماغ الخلفي"Amygdala" مسؤول عن تنظيم العواطف والمزاج في حين أن بعض حالات عدم النوم تظهر كأعراض لكل أمراض التنفس.

طرق جديدة الغفوة :

يتم تصميم تراكيب الحبوب المنومة للعمل على محاكات آليات النوم الطبيعي التي تتم عبر العديد من الجزيئات ( ناقلات عصبية وهورمونات ) التي تنقل المعلومات بين الدم والدماغ . اغلب المنومات تستهدف الناقلات العصبية ومناطق الإستقبال في الدماغ التي تقصدها هذه الناقلات وتعمل عليها، وخاصة الجزيء المعروف"GABA" وهو الجزيء المنبه الذي يكبح الدماغ بشكل أساسي، وبعضها الآخر يستهدف الهورمونات مثل هورمون الميلاتونين.
     الأدوية المنومة مؤثرة عموما والنوعيات الحديثة منها بشكل خاص، لكونها جميعا تبدل تركيبة النوم والموجات الدماغية الى حد ما، وجميعها ذات تأثيرات جانبية مثل الترنح عند النهوض صباحا وضياع الذاكرة او نسيان الحوادث التي جرت ليلا قبل النوم.
     هناك الآن أدوية يتم تطويرها لمعالجة حالات الأرق مستنبطة من الفهم الجديد للمسارات المتداخلة لحلقة النوم، تستهدف بعض بروتينات الدماغ التي تتعامل المرسلات الكيميائية معها، مثل مستقبلات السيروتونين والاوركسين والهيستامين والميلاتونين، بعض هذه الادوية الحديثة تعمل فقط على توقيتات النوم او مدته دون حدوث اي تغييرات في توليد الموجات الدماغية. من الممكن ان تصبح هذه الاكتشافات واعدة وتحقق تحسينات ذات قيمة  على حبوب النوم الحالية اذا تم تدعيمها بدراسات أوسع.  

طرق جديدة للإستيقاظ :
    
      العديد منا في العصر الحديث يحتاج الى ساعات تنبيه للنهوض من النوم، وبالاعتماد على هذه الأجهزة فإننا في النهاية نستيقظ، الاشارة التي تساعدنا على ذلك تأتي من منطقة في الدماغ تسمى "Suprachiasmatic-SCN" وتقع فوق المهاد البصري في وسط الدماغ  الأمامي ، ولها دور مركزي في ضبط مواقيت النوم والاستيقاظ وذلك بتنظيم الإيقاعات اليومية للهورمونات مثل الميلاتونين، بالاضافة الى المرسلات العصبية والناظمات العصبية مثل  الاوركسينات.
     غالبا تكون نداءات ساعات التنبيه ناعمة ولهذا يتغلب النوم عليها، فضلا على ذلك قد يصل نداء ساعة التنبيه متأخرا بعض الشيء لأن أغلبنا له ساعة جسدية عملت بشكل طبيعي لأكثر من ٢٤ ساعة، التعرض للضوء المنبعث من الموبايل والتلفزيون والكومبيوترات ليلا ربما يؤخر الوقت ساعة اخرى مما يجعل الأمر أسوء. 
     في غياب ساعات التنبيه، نستيقظ عادة من نوم حركة العين السريعة التي يسميها بعض علماء النوم بوابة النهوض من النوم،  اجزاء كبيرة من الدماغ نشطة اثناء هذا النوم ولذا قد يكون التحول الى استيقاظ تام أسهل، بينما تكون معظم اجزاء الدماغ غبر نشطة في النوم العميق، وعندما يدق المنبه خلال هذا النوم او في نهاية قيلولة طويلة فإننا نصاب بالترنح عندما نستيقظ. هناك انواع جديدة من المنبهات تحاول ان تضمن نهوضا مفرحا.
     احدى الشركات تعرض طريقة لمراقبة حالات النوم لضمان انطلاق المنبه خلال نوم حركة العين السريعة ، تدعي شركات الموبايل واحزمة المراقبة التي تشد على الخصر انها تستطيع تحسس حركات الانتقال من نوم حركة العين السريعة الى نوم حركة العين غير السريعة لغرض تأمين دخول ناعم وهادئ الى حالة الوعي .
     هناك مقاربة اخرى لاستخدام الضوء، بعد كل شيء يبقى تناوب الضوء والظلام ملمحا طبيعيا للاستدلال على الوقت ، ويبقى الضوء ساعة التنيبه بمستوى رائع.

 التوجه الى مجتمع ٧/٢٤:

     النمو المطرد لاهتمام العلم بالنوم، بتنظيمه وإدراكه وأهميته للصحة سوف ينقلنا الى مقاربة جديدة حوله في المستقبل. كان النوم دائماً جزءا مهما من حياة المجتمع الإنساني ولا مفر انه سيبقى كذلك، ليس فقط لمنافعه وإسعاده للإنسان ولكن لدواعي كثيرة اخرى، ولكن حتى لو كان الامر كذلك ربما وجدنا انفسنا نطلب سيطرة اكثر على: كيف ننام ومتى؟. 
     الضوء الاصطناعي والكافايين جعل تلك السيطرة في متناولنا الى حد ما، وذلك بتحريرنا من تحكم  الشروق والغروب في نومنا ونهوضنا منه ، ولهذا فإن اي خطوة نحو ما يسمى ثقافة "الراحة والعمل عند الطلب" يجب ان تعتمد على توفير مركبات اكثر قوة  للنوم  والتنبه بحيث تساعدنا على الحصول على استيقاظ مؤثر ونوم نوعي في اي وقت من اليوم.
     السيناريو المثالي  لهذا الامر سيجعل في مقدورنا التقدم نحو مجتمع عالمي من ٢٤ ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوعي يخلو من فترات خاملة طويلة ونتائج سلبية على الصحة جراء المناوبة الليلية.  طبعا هناك العديد من المسائل تحتاج الى حل قبل تحقيق هذا النمط المثالي من النوم.
    اول مسألة : يبقى فهمنا  لنظام النوم-اليقظة وأدواته الصيدلية غير كامل. قد نحلم بمستقبل من النوم المقنع واليقظة المنتجة ولكن حتى العوامل المساعدة لنا مثل المصابيح والكافايين تسبب لنا المشاكل، مصابيح الليل والقهوة يحدان من قابلية النوم ويقودان الى تأخير الخلود الى النوم رغم ان مواعيد العمل الصباحية لا تتغير وهذا يؤدي الى دورة من حرمان النوم واستهلاك المزيد من القهوة ومشروبات الطاقة لمكافحته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ديرك-جان ديجك : بروفسور النوم والفسيولوجيا في جامعة سيري/ غيلدفورد/ بريطانيا ومدير مركز أبحاث النوم في نفس الكلية      - رافاييلا وينسكي-سوميرار : محاضرة عن النوم والإيقاعات اليومية في نفس الكلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة يقين.مُدوّنتي عن مجلة نيوساينتست/ العدد2850 الجزء 213 / 4 - 10 شباط/ 2012
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أنقر على الصورة لتكبيرها وقراءتها عند اللزوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق